عاجلمنوعات

تجديد فهم الإسلام وتجليات النزعة الإنسانية العقلانية في مشروع المفكر الكبير محمد أركون

تجديد فهم الإسلام وتجليات النزعة الإنسانية العقلانية في مشروع المفكر الكبير محمد أركون

كتب دكتور عصام كمال المصري

إنها لقصيرة وعاجزة ، حياة الإنسان ، فقد قُضي عليه اليوم أن يفقد نزعته الإنسانية السمحة الصافية النقية وسط تلال المشاكل وجبال الهم والقهر والحاجة ، حتى أصبح نهر حياته ـ هو نفسه ـ غداً صحراءه !

إن انكفاء الإنسان على الماضي بوابة لهزائم شتى، فجمال صور الماضي الصامتة غير المتحركة يماثل روعة الخريف، عندما تظل الأوراق تلمع تحت السماء بفتنة ذهبية، رغم أن هبة من النسيم قد تُسقطها ! إن الاعتزاز بالأفكار السامقة هو وحده الذي يجعل اليوم القصير نبيلاً ، ويمنح الإنسان القوة والقدرة على الدخول إلى المستقبل بذراعين مفتوحتين ـ على حد تعبير الأنسني الفذ إدوارد سعيد وليس بقبضة مضمومة !

قارئي الكريم ، مقالي هذا لا يخاطب العقل وحده ، وإنما يروم ود القلب أيضا ! فهو معني بمعالجة بعض جوانب الفكر الأنسني لدي المفكر الكبير محمد أركون ، الذي يقول بالإنسان كأعلى قيمة في الوجود ، على أمل أن يجد هذا الفكر السامق له ، في المستقبل ، ملاذا آمنا في عالمنا العربي ، فنحن على ما يبدو أحوج إليه من غيرنا !

أثري المفكر الجزائري الشهير محمد أركون (1928 – 2010 ) التراث الإسلامي بإنتاجه العلمي الغزير وأفكاره المستنيرة , ليس عن طريق التكرار والاجترار ، وإنما عن طريق التجديد والبحث العلمي الرصين . لقد كرس جل حياته لإبراز الوجه الآخر المشرق المضيء للإسلام , هذا الوجه المطموس حاليا ، للأسف الشديد من قِبل حركات التطرف والظلام .

كانت هناك فكرة راسخة ، تقول بأن النزعة الإنسانية هي نتاج عصر النهضة الأوروبي ولا علاقة لثقافات الإسلام بها من قريب أو بعيد . إنها خاصة بأوروبا وإيطاليا فقط ، إبان القرن السادس عشر وبالفعل من ينظر إلى الفظائع التي ترتكبها الحركات الأصولية باسم الإسلام ، منذ ظهور القاعدة وسواها ، يتوهم بأن هذا الدين أبعد ما يكون عن الشفقة والرحمة . فكيف يمكن أن تكون له علاقة بالنزعة الإنسانية أو الحضارية أو العقلانية ؟ حتى كتب محمد أركون مؤلفه القيم بعنوان « النزعة الإنسانية والإسلام ».

كان يريد أن يثبت أن تراث الإسلام العظيم أكبر من أن يُختزل إلى حركات التطرف والجهل . وكان يعتقد بإمكانية المصالحة بين الإسلام والحداثة ، بشرط أن نفهم هذا التراث الضخم على حقيقته . فهناك فرق بين مفهومه في العصر الذهبي ومفهومه في عصر الانحطاط والتردي . من هنا لابد من تجديد فهم الإسلام عن طريق تفكيك الانغلاقات إذ من دون ذلك لا يمكن لهذا الدين أن يستعيد مكانته الكبرى على الساحة العالمية . من دون ذلك لا يمكن أن نستعيد عصرنا الذهبي . وقد أثبتت الأيام صحة نبوءة أركون وصحة خطه التجديد التي وضعها وكانت أساس مشروعه الفكري الكبير . فالمنهج التفكيكي التحريري الذي اتبعه ، أثبت فعاليته وضرورته القصوى في مواجهة العصر الرهيب الذي نعيشه .

لقد أراد محمد أركون أن يثبت أن التنوير العربي الإسلامي سبق التنوير الأوروبي بستة قرون على الأقل . فكل مشاريع نقد التراث أو تجديد التراث انحسرت عن الساحة ، وبقي مشروع أركون وحده صامدا لسبب بسيط هو أنه عرف كيف يشخص مشكلة العالم الإسلامي في العمق ، ويضيئها بشكل غير مسبوق . وكل ذلك من خلال مصطلحين أساسيين : نقد العقل الإسلامي التقليدي ، وتفكيك السياجات الانغلاقية المتحجرة ، التي ما تزال تسجننا داخل عقلية القرون الوسطى . لقد جاء هذا المشروع الكبير في اللحظة المناسبة ، لكي يلبي تعطش العالم العربي والإسلامي كله إلى التحرر والنهوض . وبالتالي فلا يخدعنكم المشهد المظلم الحالي . فسوف يليه حتما – بإذن الله – عصر الأنوار المشرقة . إنه آت لا محالة ! .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!