عاجلعالم الفن

الشاعرة المحلقة عبر فيوضاتها الشعرية الى عوالم زاهية

الشاعرة المحلقة عبر فيوضاتها الشعرية الى عوالم زاهية

قراءة / أحمد البياتي

الشاعرة المصرية هدى عز الدين محمد ارسلت لي بعضاً من نصوصها الشعرية وعند قراءتي لها لمست انها تسعى الى بناء النص الشعري من خلال تموجات ذاتها الشعرية التي تجعلها تعيش حالة من التجلي وهي تحلق عبر فيوضاتها الشعرية الى عوالمها الخفية التي تعتقد انها رؤياها للتواصل مع الوجود ورغم معاناتها وحجم الأسى الذي تسببه الحياة للإنسان ألا أنها تحاول إبراز الشفافية بنظرتها المتفتحة والموضوعية للحياة وتساؤلاتها المستمرة عن الفرح الذي هو مقصدها لأنها تبغي ان تبرز شفافية نظرتها هذه والتي تعتبرها وردتها الخصبة ، تقول في نص( حياةٌ مومياء)
غيمةٌ بعيدةٌ تراقبُ المطر.
تغرقُ بسحابةِ الحلم.
الأملُ دفينُ الصمتِ.
الحقيقةُ المقتولةُ
بسيفِ الاستبدادِ
دون صراخ.
الغدُ رفضَ أمسَهُ
إلا العد خطوةً
بعد عنقِ الظلام،
لنفتحَ التابوتَ العتيق ونتحادثَ.
المومياءُ
صديقةٌ للتاريخ المجهول،
تتأوهُ برسالةِ رعبٍ.
خلف الجمجمة آثارُ فأسٍ صغيرة.
هجاءٌ مقامرٌ على طاولةِ الموت
خسرَ الاستقلالُ
هوايتَهُ الدامغة.
وكذلك في نصها (مات الشاعر) تقول :ـ
مات الشاعر
عاش الشاعر
أَو يجوز ترجع القدس بالمشاعر
على الورقة يسكن
رهاب الخوف
خطوات العروبة
تهرول عاجزة
غصن الزيتون من فم
السلام سقط
حمامة بيضاء صَبَغَتّها
يد الأحتلال بعتمٍ اسود
تلك الصبية المغتصبة
قطع النبيح حبالها الصوتية لا تستغيث
تغرق الشريفة في النجيع
او تنتظر يد المسيح أن يمشط شعرها المجعد بالحصار
مات الشاعر
عاش الشاعر
تجمدت الحروف
تلعثمت واهنة
على الشفاه
بترت الأكف
صُلب على الأفواه
الرثاء
الزيتون ينزف
موغل في الأديم
رغم الجراح
يأبى الإنحناء

الذي يميز اللغة الشعرية عند الشاعرة هدى انها تعتبر الشعر فن اللغة وهذا الشعور كان سبباً لتقول مالا يقوله غيرها ، وهذه اللغة تتكون من عدة مكونات هي التي تجعل القصيدة تسمو فوق حدود الزمان والمكان الثابتين الى المتحركين وكي يكون مفهوم الصورة واضحاً لابد ان تتسم بالتكثيف . في قصائدها تؤكد لنا الشاعرة هدى أنها تعيش حالة من التجلي في مناخ الإبداع وهي تحلق عبر فيوضاتها الشعرية في أوقيانوس الإبداع ، ماضية في عوالمها بحثاً عن الإمتاع والإقناع لأنها متيقنة تماماً أن الشعر فن ، وللفن الشعري واقعه الخاص وغاياته الخاصة.في نصها (رحمُ الندى) تقول :ـ
وردةُ الربيعِ القادم بكأسٍ من غرام.
خابيةٌ عتاق
تثملُها الكلماتُ
في حشاشةِ التيم،
غصنُها يميلُ
يتصنتُ لحنَ الهمس
يطربُها سرداً لعنوانك القديمِ
تحت نِثارٍ
ممطرٍ بالذكريات.
يشهدُ القمرَ،
يزفُ العرسَ
لسائرِ النجوم،
لوردِ الحدائق،
تضوعُ بعطرِها التهاني من رحمِ الندى
وتبرز القدرة الإبداعية عند الشاعرة هدى عز الدين انها تسعى الى بناء النص تارة من خلال التداعي الحر أو من خلال الواقع وعدم ميلها الى الخطابية أو التقريرية المباشرة تارة أخرى، إذ أنّ للفن الشعري واقعه الخاص وغاياته الخاصة لأن الشاعر هو الذي يحس إحساساً قوياً ويفكر ملياً كونه يرى الحقيقة الساطعة على اعتبار ان الشعر لديه حالة جدال ديناميكي بين الفعل والقول . في نصها (الغيرة سم بكأس الغرام) تقول:ـ
اتجرعها ليلا على وسادة
الجمر
يكبلني شيطاني بقيود الشك
ثم استعيذ بحبك
وأتلو قصائدك
وترواغي بحلم جميل
وتهدني باقات اللهفة
واضغاثي قبلات من شفاه
النشوة
النص هو شبكة من الصلات والعلائق وليس مجرد عناصر موزعة توزيعاً أعتباطياً أو إختيارياً ، ومن يتتبع شعر رائدة في صعوده وهبوطه في تجاذبه وتنافره يجده يتجه نحو الوضوح وهو السمة الغالبة على معظم نصوصها ، الشعر عندها حالة جدال دينامي بين الفعل والقول وهو ضرب من المعرفة الإنسانية في مستوياتها المختلفة وأبعادها الثقافية المتباينة .وفي نصها ( قال ) تقول: ـ
اين أنا من حلم النهار
ربما اسكن بين ضلوع الهوى
اتوسل المنى اركع لملكتي الرخامية
يا رجل العشق النازق
أنت بوادي مسحور
جانب المسلة الغربية
تسكنها روح تلك المصرية
خلف رأسك فكرة مبطنة
بجلدِ سطورك
تراودها فيرسل لك الماضي
باقة زهور ذابلة
من مواسم الربيع الآفل
ربما تقلب يدك
يعاتبك وجدك

احسست أن عناصر القصيدة عندها تكمن في التراكيب والصورة الشعرية والموسيقى اضافة الى تجاربها الأنسانية التي ولَّدت عندها هذه الشعرية العالية والتي من خلالها تمكنت من تجاوز المرئيات الى الكليات ، لأن لغة الشعر كما هو معروف تضع منطقها الخاص بها وتخلق وجوداً متميزاً لها بصورة عامة وتتجلى قيمة الصورة الشعرية عند الشاعرة عندما تنقلنا عبرها الى عالم آخر من خلال خلقها عالماً جديداً تختلف علاقات الأشياء فيه كما هي عليه في العالم الواقعي ويكون الجامع بين مكونات هذا العالم رابطاً خفياً داخلياً يُحَسُ على مستوى الشعور وفي نصها (مناخٌ ساخن) تقول:ـ
لم تعد تشتهي ثمارَ الكرز،
من ثغر مناخِكَ المعتدِل
ولا تثملها
شربةُ لبنٍ من نهدِ الفتور،
لكن يشاغلُها الشوقُ
لغفلة.
يتسللُ لقلبِها لصٌ
بسكين الغرام.
ينحرُ الوقارَ
بقبلةِ غوايةٍ.
يقم عرسُ الغيرةِ
بجبالِها العنيدة.
ويشفرُ لغزَ القصيدةِ
التاليةِ
لمفردةٍ جامحةٍ،
تزيغُ بصرَ الكلمات،
تلعنُ لجامَ معجمِها.
ختاما : احيي الشاعرة هدى على مقدرتها في صياغة النص الشعري واخراجه بطريقة زاهية مما يجعل المتلقي يستمتع ويستعذب مفردات نصوصها التي تدلل على شاعريتها العالية في الوصف والبناء للنص واتمنى لها كل التوفيق والسداد والنجاح في مشوارها الأدبي هذا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!