عاجلمنوعات

بسبب السياسة لا الدين

بسبب السياسة لا الدين

بقلم : يوحنا عزمي

من حسنات مسلسل الحشاشين أنه فتح الباب لمن يريد البحث
في تاريخ الدول الإسلامية المختلفة وأحوالها، ومن المآزق الإبداعية التي تعامل معها ببراعة أنه قفز علي مناقشة أفكار أي فرقة إسلامية سواء بالمدح او بالذم لأنه مشعول بمناقشة فكرة استخدام المبادئ لتحقيق مجد شخصي اولاً ، وفكرة خداع البسطاء بحلم الجنة والنعيم الأبدي ثانياً ، لذلك دخل صناع المسلسل إلي صلب القضية وطرحوا نموذجاً لشخص دموي يستخدم المبادئ الدينية لتحقيق طموحه ويخدع البسطاء بخليط من قدرات شخصية وملكات ايحائية وقدرة علي التأثير وغسل العقول ..

والحقيقة أن صناع المسلسل كانوا محقين تماماً في تجنب التوسع في طرح الخلفية التاريخية التي ظهر من خلالها هذا النموذج الدموي مراعاة لاعتبارات متعددة وجديرة بالأحترام والتقدير .

والحقيقة ان الأيام اثبتت صحة وجهة نظرهم .. فرغم هذا التجنب الواضح لعرض خلفيات ظهور الأفكار التي استغلها حسن الصباح مؤسس الحشاشين إلا ان جماعة الإرهاب حاولت الصيد في الماء العكر والادعاء بأن المسلسل يسئ إلي هذه الفرقة الإسلامية او تلك وهو ما تكذبه متابعة الحلقات ..

ومع ذلك اريد ان اطرح فكرة محددة وهي ان قراءة التاريخ الإسلامي تؤكد ان السياسة كانت دائماً سبب فرقة المسلمين وتشتتهم وضعفهم ، وان الأمر في البداية لم يكن له علاقة بالدين
لا من قريب ولا من بعيد ..

فالمسلمون بعد وفاة الرسول (ص) لم يختلفوا دينياً ابداً ..
كل الصحابة كانوا يؤمنون بالله ورسوله وملائكته وكتبه ورسله ولكن الخلاف كان حول السياسة اولاً واخيراً والخلاف المؤسس لظهور الفرقة الإسلامية والمشهور بأسم الفتنة الكبرى كان خلافاً دنيوياً لا دينياً ..

فقد رأي قسم من العرب ان علي ابن ابي طالب رضي الله عنه
وآل بيت الرسول أحق بالخلافة من الناحية الدينية وهذا حق ، ورأي قسم آخر اكثر تأثيراً ان معاوية اصلح لأمور الدنيا واكثر خبرة بالسياسة واتصالاً بالحضارات التي ورثها المسلمون.

لذلك ظهرت مقولات ذات دلالة مثل ان الطعام عند معاوية اشهي والصلاة خلف علي التقي .. وقد عاني علي رضي الله عنه من انقسام أصحابه عنه ، وخروج الخوارج عليه ، ثم قتلهم له ، بينما كتلة معاوية متماسكة صلبة لأنها قامت علي أساس المصلحة لا العقيدة ، ولم يذكر التاريخ الإسلامي ان علي رضي الله عنه كفر معاوية واصحابه او اعتبر أنهم خارجين عن الدين ، والعكس صحيح طبعاً ..

والحقيقة أن آل البيت رغم عدم توليهم الحكم الدنيوي كانوا في ارفع مقام بين العرب عزاً وجاهاً ومالاً ، ثم كانت مأساة كربلاء بسبب الخلاف علي شرعية الحكم ، فجيش يزيد يري أنه حاكم شرعي بايعه أغلبية المسلمين ماعدا قلة ..

والحسين بن علي رضي الله عنه يري أنه حاكم غير شرعي وان أهل العراق لو انضموا له لاستطاع عزل يزيد .. وهو مالم يحدث لأسباب معقدة .. والمعني هنا ان السياسة لا الدين كانت سبب الفرقة ..

وقد تجنب المسلمون دائماً ذكر تاريخ الفرق الإسلامية المختلفة والحروب بين المسلمين لأسباب سياسية لا دينية ، وبالتالي لم يعد المسلم العادي يعرف عن تاريخ الإسلام سوي فترة ميلاد الدعوة وانتشارها في عهد أبو بكر وعمر .. ثم يلقي ستار من التكتم علي احداث كثيرة جداً وتواريخ كثيرة جدا ..ثم يفتح الستار مرة اخري في القرن الخامس الهجري علي معارك التصدي للتتار والصليبين ..

واذكر ان الرقابة في مصر تدخلت عدة مرات لمنع إنتاج أعمال تناقش الفتنة الأهلية بين المسلمين ، رغم ان الفتنة سببها السياسة وليس الدين ، والحقيقة ان العالم الإسلامي قد بلغ سن الرشد بفعل ثورة المعلومات والإنترنت والسماوات المفتوحة ، وان ما كان يسهل السكوت عنه في زمن الكتاب المطبوع والقناة التلفزيونية الواحدة لم يعد ممكناً اخفاءه في عصر الإنترنت ومحركات البحث الهادرة .

وبالتالي فالحل هو ان نقدم التاريخ الحقيقي للانقسام الإسلامي بقراءة موضوعية .. تفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي ..

فالدين لم يكن سبب انقسام المسلمين في البداية ولكن الدنيا والموقف منها .. ثم ظهر التكفير بين الفرق المختلفة لتعزيز الغرض السياسي وكأن الشئ لزوم الشئ ..او كان الخلاف السياسي اصبح يحتاج لمبررات دينية تم خلقها .. لتدور دائرة الدم ..لن نتقدم دون إعادة قراءة تاريخنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!