عاجلعرب وعالم

إستقالة ليز تراس .. ماذا يحدث في بريطانيا

إستقالة ليز تراس .. ماذا يحدث في بريطانيا

بقلم : يوحنا عزمي

بعد 44 يوماً من توليها المنصب ، قدمت ليز تراس رئيسة الحكومة البريطانية استقالتها للملك البريطاني تشارلز الثالث ، لتصبح وزارتها هي الأقل عمراً في تاريخ الحكومات البريطانية.

وتعد استقالة تراس هي ثاني استقالة لرئيس وزراء بريطاني عام 2022 ، حيث استقال سلفها بوريس جونسون في يوليو الماضي وسلم رئاسة حزب المحافظين لتراس في 5 سبتمبر ثم رئاسة الوزارة في اليوم التالي.

سقوط وزارة الـ 44 يوماً هو ترجمة عملية للفوضى التي تعيشها بريطانيا على وقع تراكم الأزمات ، ما بين تداعيات وباء كورونا والإغلاق الكبير عام 2020 ثم بدء التضخم العالمي عام2021
ثم الانخراط غير المحسوب لبريطانيا في العقوبات الغربية على روسيا والحرب الأوكرانية، ما أدى إلى أكبر تراجع للجنيه الإسترليني في تاريخه بنهاية سبتمبر 2022.

وزاد من حدة الأزمة تأثر السندات البريطانية بما جرى وسط مخاوف من تأثر سوق السندات الدولية بما أسماه المراقبون
إنهيار الجنيه الإسترليني وسقوط سوق السندات البريطانية.

وأدت خطة تراس الاقتصادية الداعية إلى خفض الضرائب على الشركات الكبرى وكل من يتجاوز دخله السنوي 150 ألف جنيه إسترليني حفيظة الشعب البريطاني ، الذي نظر إلى حكومة تراس باعتبارها حكومة الأثرياء ورجال الأعمال والشركات عابرة القارات ومتعددة الجنسيات ، ما أدى لاستجابة شعبية مفاجئة لدعوات التظاهر في 30 سبتمبر 2022 أطلقتها منظمة Enough IS Enough ونقابة عمال الاتصالات البريطانية، وامتدت التظاهرات من إنجلترا إلى إسكتلندا وويلز.

وطالب المتظاهرون بحماية الشعب البريطاني من الشتاء البارد
على وقع نقص إمدادات الغاز عقب الحظر الغربي على استيراد
الغاز من روسيا ، وتسهيل قوانين بنك الطعام، وتقديم دعم حكومي أكبر للفقراء ، وإلغاء التميز الجاري في قطاع الضرائب لصالح الأغنياء.

وقد أدت هذه المظاهرات إلى حدوث انقسام داخل حزب المحافظين ، حيث رأى جناح قوي داخل الحزب أن تراس
وضعت البلاد على حافة البركان باستفزاز الشعب البريطاني
ما أدى إلى مظاهر من الفوضى في الشارع لم تعهدها الدولة البريطانية ، وأنه من الأفضل أن تقدم تراس استقالتها حفاظاً
على الأمن القومي قبل أن يكون حفاظاً على فرص المحافظين
في الانتخابات العامة المقرر عقدها في مايو 2024.

وحاولت تراس المماطلة ، عبر إقالة وزير الخزانة كواسي كوارتنج وتعيين المخضرم جيرمي هانت بدلًا منه، وحاول جناح ثانٍ بالحزب الدفع بفكرة أن يصبح جيرمي هانت رئيساً للوزراء بالوكالة في ظل وجود ليز تراس، ولكن الغضب البرلماني والحزبي العارم بوجه تراس مع استقالة وزيرة الداخلية سويلا برايفرمان ، ووزير السياسة التجارية كونور بيرنز قد عجلا برحيل تراس.

– تصدع حزب المحافظين عقب إسقاط جونسون :

ويتضح مع رحيل وزارة تراس عقب 44 يوماً فقط ، أن حزب المحافظين يشهد تصدع قوي عقب إسقاطه وزارة بوريس جونسون ، وكانت الوزارة السابقة قد سقطت على ضوء استقالة ما لا يقل عن 50 وزيراً على مدار أسبوع ، في انقلاب داخلي من أجل التخلص من جناح اليمين القومي داخل حزب المحافظين وتصعيد جناح النيو ليبراليين بقيادة ليز تراس.

ونتيجة لاستقالة أكثر من 50 وزيراً ، عجت صفوف المحافظين بالوزراء السابقين ، وضربت الفوضى مقاعد مجلس الوزراء البريطاني التي تناوب على معظمها ثلاثة وزراء على الأقل خلال العام الواحد ، مما يضرب بعرض الحائط أبسط مفاهيم الاستقرار السياسي.

– بريطانيا ما بعد إليزابيث الثانية ومطالب بانتخابات مبكرة :

رغم قصر عمر وزارة ليز تراس، إلا أنها عاصرت مشاهد عاطفية نادرة في الحياة العامة البريطانية، وذلك على وقع الجنازة الشعبية للملكة إليزابيث الثانية ، والاستقبال الشعبي للملك تشارلز الثالث ما جعل عصر تراس يشهد انتقال ناجح للتاج الملكي إلى ولي العهد البريطاني ، الذي راهن البعض على عدم قدرته على تنفيذ هذه الخطوة ، وأن يتنحى عن العرش ويمرر التاج إلى ابنه الأكبر الأمير ويليام.

وفشلت دعوات التيار الجمهوري البريطاني ، في استغلال مناسبة وفاة الملكة لتدشين حراك شعبي يدعو إلى إسقاط الملكية وإعلان النظام الجمهوري في بريطانيا، ما جعل الملك تشارلز يثبت لمنتقديه عبر العصور أنه لا يقل شعبية واستقراراً عن أسلافه.

ولكن خليفة تراس ينتظر أوقاتاً صعبة فيما يتعلق باستمرار وضع بعض الأقاليم تحت التاج البريطاني ، إذ إن الملكة إليزابيث الثانية كانت تشكل الرابط العاطفي الوحيد بين بريطانيا وأجيال من سكان تلك الأقاليم، حيث طالبت رئيسة وزراء إسكتلندا باستفتاء ثانٍ على الاستقلال من بريطانيا ، في حين اكتسب تيار الاستقلال عن بريطانيا في كندا وأستراليا ونيوزيلندا زخمًا كبيراً عقب وفاة الملكة.

كما أعلنت مستعمرة “أنتيجوا وبربودا” البريطانية في منطقة الكاريبي، أنها سوف تنظم استفتاء على الاستقلال عقب وفاة الملكة، ما يعني أن بريطانيا سوف تشهد عقب مرحلة إليزابيث عملية هيكلة واسعة ، لتفكيك “بريطانيا الكاريبي” و”بريطانيا الإندو–باسيفيك”.

وعلى وقع استقالة تراس وتصدع حزب المحافظين عقب إسقاط جونسون، طالب حزب العمال المعارض برئاسة السير كير ستارمر بالذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة، سوف تصبح حال انعقادها هي الثالثة على التوالي في بريطانيا عقب انتخابات عامي 2017 و2019، حيث يسعى حزب العمال للعودة إلى السلطة للمرة الأولى منذ عام 2010 حينما فشل رئيس الوزراء جوردون براون في الحفاظ على مقعده الذي تسلمه من توني بلير.

ويعتبر رئيس الوزراء البريطاني المقبل هو الخامس على التوالي
من داخل حزب المحافظين ، بعد ديفيد كاميرون وتريزا ماي
إضافة إلى جونسون وتراس.

– من هو رئيس الوزراء الجديد؟

تشير بعض استطلاعات الرأي إلى استحسان الشعب البريطاني لفكرة عودة بوريس جونسون، وهي فكرة تلاقي معارضة التيارات المحافظة والليبرالية والنيوليبرالية داخل حزب المحافظين الذي يرفض صعودًا ثانياً لتيار القوميين.

وبعيداً عن اسم بوريس جونسون ، يناقش قادة الحزب خطة
عاجلة بدعم من رئيسة البرلمان ووزيرة الدفاع سابقاً بيني موردونت ووزير الخزانة الأسبق ريش سوناك ، تتضمن تسهيل
مهمة تولى سوناك رئاسة الحزب والحكومة نهاية أكتوبر 2022
أو تشكيل رئاسة مشتركة للحكومة البريطانية بالتناوب ، حيث تترأس بيني موردونت الوزارة حتى منتصف العام المقبل ، ثم يتسلم سوناك رئاسة الحكومة ما بين صيف 2023 وصيف 2024.

– مستقبل الأزمة البريطانية :

تعيش بريطانيا العظمى حالة من الهيكلة منذ عام 2015 ..
إذ إن شكل الإمبراطورية الحالي غير قادر على مواجهة المشاكل العصرية وأصبح واضحاً أن قادة بريطانيا سواء في الأسرة الملكية أو الأحزاب الرئيسة أو البرلمان ، بحاجة إلى إنتاج إمبراطورية عصرية قابلة للبقاء وسط تحديات القرن الحادي والعشرين.

لم تكن بريطانيا جاهزة للتحدي الذي تخوضه الولايات المتحدة الأمريكية بحق روسيا والصين، هذه الحرب الباردة الجديدة مرهقة للاقتصاد البريطاني رغم التعثر الروسي الواضح عسكرياً في أوكرانيا ، بل إن بريطانيا سعت خلال إدارة بوريس جونسون إلى قيادة المعسكر الأنجلوساكسوني على حساب أمريكا وإدارة جو بايدن حيال إدارة المواجهة بوجه روسيا ، فكان جونسون أكثر حضورًا وفاعلية في أوكرانيا عن بايدن ، من أجل رسم صورة أكثر حيوية للسياسة الخارجية البريطانية في سنوات ما بعد بريكست.

ختاماً ، نظراً للعوامل الخارجية للأزمة ، فمن المستبعد أن تشهد بريطانيا استقراراً سريعاً أو في القريب العاجل ، إلا إذا حدثت معجزة سياسية بتولي تيار براجماتي حكم بريطانيا ، بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه ، ليقوم بإعادة النفط والغاز الروسي إلى بريطانيا، وتخفيف الحصار الغربي لموانئ الحبوب في البحر الأسود وأمر مستبعد على بريطانيا التي تمتلك نظام ثنائية حزبية صارم نجح في إسقاط تيار بريكست رغم نجاح التيار في التصويت الشعبي سواء في استفتاء الانفصال عام 2016 أو الانتخابات المبكرة عام 2019.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!