عاجلمقالات الرأى

اعترف اني علمانية

اعترف اني علمانية

بقلم عبير مدين

الدعوات إلى العلمانية و الاصوات المناهضة لها، الجمود الفكري، التشبث بالدين و التشكيك فيه، الخلط بين العلمانية والديانة الإبراهيمية وعلاقة هذا كله بالملحدين واللادينين
حرية العقيدة، أفكار وآراء عديدة يتبناها ما أسمى نفسه التيار التنويري الجديد
موضوعات يحتاج كل منها إلى موضوع مستقل لكن فضلت جمعها في موضوع واحد لأن الكثير من الناس يختلط عليه الأمر
المثير للدهشة أن العلمانية في الشرق تختلف عن العلمانيه في سائر أرجاء المعمورة
في الأساس العلمانية هــى :
تعني فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة، وقد تعني عدم قيام الحكومة أو الدولة بإجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية. كما تكفل الحق في عدم اعتناق دين معيّن وعدم تبني دين معيّن كدين رسمي للدولة وهذا هو ما يجعلني اتفق مع العلمانية لأن حرية العقيدة نص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية
وهنا يجب أن ندرك الفرق بين
فصل الدين عن الدولة أو السياسة و”فصل الدولة أو السياسة عن الدين،
ففصل الدين عن الدولة هو عزل أو تمييز إيجابي لصالح الدين، حيث يجعل من الدين بمثابة ضمير ومرجعية أخلاقية ورقيب على أي أداء فلا يرتفع الحاكم والحكومات إلى مرتبة القداسة وتصبح مخالفتهم والخروج عليهم خروج عن الدين.
أما فصل الدولة عن الدين فهو الوجه الحقيقي للادينين وهو التيار الذي غزا الشرق العربي فتبنى فكرة محاربة الأديان على اعتبار أن جمود الفكر الديني وراء كل تخلف
ولا تعتبر العلمانيّة شيئا جامدًا بل هي قابلة للتحديث والتكيف حسب ظروف الدول التي تتبناها، وتختلف حدة تطبيقها ودعمها من قبل الأحزاب أو الجمعيات الداعمة لها
الحقيقة العلمانية العالمية لا تعتبر ضد الدين بل تقف على الحياد منه لكن كما سبق ونوهت عندنا في الشرق الأمر يختلف فقد دخل تحت رداء العلمانية بعض اللادينين وكارهي الاسلام مستغلين بعض الفتاوى وبعض التفاسير القديمة هجرها الناس منذ قرون والتي ينبش قبرها من يريد تشويه صورة الإسلام واعترف كان الأمر يستفزني كثيرا وكنت أتمنى أن تعلن المؤسسات الدينية تبرؤها من هذه الفتاوى و التفاسير وقد دخلت في نقاش طويل مع الأخ والصديق العزيز الدكتور مسعود حسن قال فيه أن هذه الفتاوى موجودة لكن لا أحد مجبر على الأخذ بها والحقيقة أني استحسنت رأيه فحتى لو تبرأنا من كل ما هو غريب وفي نظري يسئ إلى الدين لن ينسى التاريخ أن هذه الفتاوى و التفاسير قيلت يوما.
ليس دفاعا عن الاسلام لكن هناك فرق بين الإسلام كشريعة سماوية وبين ما التصق به من تفاسير وفتاوى هي في النهاية اجتهادات بشر
اما اعتقاد البعض ان اللادينية هي المقصود بها العلمانية فهو اعتقاد ليس صحيحا بالكامل فاللادينية اتجاه فكري يرفض مرجعية الدين في حياة الإنسان ويؤمن بحق الإنسان في رسم حاضره ومستقبله واختيار مصيره بنفسه دون وصاية دين أو الالتزام بشريعة دينية، وترى أن النص الديني هو مجرد نص بشري محض لا ينطوي على قداسة بغض النظر عن الاعتقاد بفكرة وجود إله أو آلهة أو عدم الاعتقاد بذلك.
وهذا يشير إلى أن الإلحاد فرع من اللادينية وهم الذين ينكرون وجود الإله على الاطلاق
ومن هنا نجد أن التيار العلماني انحرف عن مساره في الشرق وأصبح على عداء مع الشرائع السماوية ويحارب وجودها وكان الاسلام صاحب النصيب الأوفر من الهجوم العلماني
وطبقا لما جاء في كتب التراث و التاريخ لو عدنا إلى دولة النبي محمد علي اعتبار أنها الدولة الإسلامية الأولى لا نجد أنه عندما غير إسم المدينة المنورة من يثرب إلى طيبة وكان فيها طوائف دينية متعددة لم يطلق عليها اسم طيبة الإسلامية لأن الدين الاسلامي في الأساس جاء لمحاربة العصبية القبلية والعنصرية فهو شريعة عالميه مثل المسيحية بخلاف اليهودية فهي شريعة قومية
دولة النبي محمد في المدينة قامت على ميثاق المدينة “الصحيفة”، التي تنظم الحياة في المدينة بين المسلمين وغير المسلمين وهذا الميثاق تتطابق مبادئه مع مبادئ العلمانية وهي أن كل الناس خلقوا متساوين في الحقوق وأحرار في الاعتقاد كما جاء في الإعلان الأمريكي والفرنسي لحقوق الإنسان، ووثيقة المدينة كانت أكثر تقدمية وديمقراطية بالمقارنة مع العديد من الدساتير في هذا زمان، حيث ضمنت لكل مواطني المدينة الحق في الاعتقاد وكفلت لهم الحق في ممارسة شعائرهم الديني.
اذا الاسلام برئ من فتاوى التعصب والتطرف الذي هو موجود في كل الديانات
فنجد مثلا في اليهودية ممارسات التعصب والتطرف الديني والعنف تجاه من يخالفهم
ونجد في المسيحية الحملات الصليبية على الشرق
وبعد استسلام غرناطة في الأندلس بدأت محنة المسلمين بإجبارهم على اعتناق المسيحية بالعنف والقوة فيما عرف بمحاكم التفتيش، وأحرقت كتبا كثيرة في الميادين العامة على مرأى ومسمع من الجميع مما جعل النصارى نفسهم ينتقدون هذا الموقف
وفي العصر الحديث تعرض ومازال يتعرض المسلمون في عدد من البقاع للإضطهاد والعنف كما حدث في الصين ومينامار وغيرها
أما عن القول بأن الإسلام يحارب العلم
فالتاريخ شاهد على أن العلماء المسلمين كانت لهم الريادة في كل مجال و الجامعة الأندلسية أيام الحكم العربي لها كانت قبلة الطلاب المثقفين الاوربيين وقتها
فليس من الإنصاف أن ننكر إسهامات العلماء والمفكرين المسلمين وليس من العدل أن نحاسب الإسلام على ما أصبح المسلمين عليه من جمود فكري خاصه وأن اول كلمة نزلت في القرآن كانت اقرأ وكم من أية وحديث حث على طلب العلم وإتقان العمل
كذلك فإن النبي محمد ضرب اروع الأمثلة على فصل الدين عن الدولة حين مر بقوم يلقحون النخيل، فقال: لو لم تفعلوا لصلحَ فخرج شيصا، فمر بهِم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا، قال: أَنتم أَعلم بأَمرِ دنياكم.
أما ما تحدث البعض عنه عن اختلاف الشرائع السماوية والرغبة في جمعها تحت مسمى الدين الابراهيمي فلا علاقة له بالعلمانية وإنما هو مشروع بدأ الحديث عنه منذ فترة، أساسه العامل المشترك بين الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، باعتبارها أديان إبراهيمية، نسبة إلى النبي إبراهيم.
الهدف المعلن للمشروع هو “التركيز على المشترك بين الديانات والتغاضي عن ما يمكن أن يسبب نزاعات و قتالا بين الشعوب”.
الدعوة لـ”الإبراهيمية” “تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان و العقيدة و الاختيار وهذا ما لن يقبله معتنقي هذه الشرائع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!