عاجلمقالات الرأى

الخذلان بقلم ميرنا درويش

الخذلان

بقلم /ميرنا درويش

كطفلٍ هرول إلى أمه باكياً لتحتضنه، فتلقى صفعة ليكُف عن البكاء، هكذا الخذلان.” – أحمد خالد توفيق

كأم أحبت ابنتها حد الجنون ،، ثم تخلت البنت عن أمها بكل سهولة..
كهذا الشخص الذي يكسر قلبها مرارًا وتكرارًا، لكنها تُحبّه..
كصديقي الذي اخبرني أنه لا يطيق البُعد عني، و لا وجود له الآن…
كمن قابلوا كلّ هذا القدر من الحب بالابتعاد والهجر…

أن تجد نفسك فجأة تغرق وقد ظننت لوقت طويل أنّكَ تَطير…
ان تتألم علي يد أشخاص ،تمنيت ان لا تراهم يتألمون…
ان أكون مُضطراً للدفاع عن نفسي ، أمام من كنت أظن أنه يعرفني….
أن يحزن المرء من نفسه، وعلى نفسه…
أن يخذلك ذلك الذي استثنيته ، هو أشبه بالقتل…
ان تشعر فجأة بالوحدة في وسط الطريق ، فقد تركك الرفيق ،و لا تستطيع المضي قدما وحدك،و قد فات الاوان حتي للبحث عن رفيق جديد…
ان يلقي بك شخص و يتركك غارق في قاع المحيط ،وانت لا تجيد السباحة…

وكثيرا من المشاعر الاخري التي تتملكنا بعد كل موقف نتعرض فيه للخذلان… فهو شعور سئ يتخلل النفس و يهدمها و يملؤها بالألم الذي يصعب تحمله ،و الذي يترك الإنسان واهنٌ ضعيف وحيد لا حيلة ولا امل له..

و من منا لم يتعرض للخذلان ،فبالتأكيد قد مر علي كل منا لحظات ثقال بعد صدمة من شخص قريب او صديق او حتي من نفسه ، صدمة من أشخاص نحاول الاحتفاظ بهم قدر استطاعتنا، لكنهم يتسربون منا ويتساقطون، كقطرات الماء كحبات المطر، نحاول جمعها ولا نستطيع، نحاول التقاطها ونفشل…
من منا لم يسكن شخصا عينه ،فيصب الرمد بعينه و يذهب..
او يسكن شخصا روحه ، فيحرقها بلهيب جحوده و يرحل…
او يسكن شخصا قلبه ،فيركل قلبه بكل قسوة و يمضي…
ثم يرحلون جميعًا ،وتبقى لك نفسك التي قتلتها من أجلهم…
و من ثم تدرك متأخراً بعد أن أسرفت كل مشاعرك في محاولات التعمق والفهم ، أن بعض الأشخاص كانوا في الحقيقة أتفه من أن تأخذهم على محمل الجد..

أعرف تمامًا ماذا يعني الخذلان من ذلك الشخص الذي وعدك كثيرًا أن يبقى معك دائمًا، أعرف ماهو الانطفاء بعد كل هذا التوهج، أعرف الهجران بعد كل هذا الحب، أعرف مرارة الكلمة بعد أن كانت ضمادًا، أعرف ما معنى أن يصبح غريبًا بعدما كان مألوفًا.. أعرف كثيرًا…

للذين خذلونا …

أما عن العفوِ فقد عفونا ،أما عن الودِّ فلن يعود
فاللهم طريقاً لايؤدي إليكم أبدا ،واللهم حياة تخلو من أشباهكم…
و تذكروا..
كما تدين تدان ، فسوف تبكي كل عين ابكت غيرها و لكن اكثر ،
و سوف ينجرح كل من جرح و لكن أكثر ، و سوف ينكسر كل من كسر الخواطر و لكن اكثر….
و اما نحن فسوف نكون بخير .. فالعواصف لا تدوم للأبد..

” نحن لا نكتمل بأحد و لا نضيع من دون أحد .. نُسعد بمن بقى و ننسى من نسى.”
– أحمد خالد توفيق

و لكل من تعرض للخذلان..

‏لا تنسى أن لك الحق في أن تُنهي علاقة تؤذيك، وإغلاق كتاب لم يُناسبك، وإنشاء حدود في تعامُلك مع الآخرين، وعدم الرَد على مكالمة هاتفية تُضايقُك، والتشبُّث بالأشياء التي تُحب مهما كانت غبيّة أو جُنونيّة، لأن من أبسط حقوقك أن تعيش كما تُريد أنت، لا كما يريد الآخرون لك.. ،لا تڪن عبداً لِغيرڪ ، ﯠقد جعلڪ الله حراً…
أعلم أن الخذلان ،شعور لا ينسي و تلك الكسرة و وجع القلب بعد الثقة لا تمرؤ ببساطة و لكن لا تتألم من اجل شخص لا يعرف قيمتك،فغباءٌ منك أن تكُون حزينا بسَبب شخصٍ يعيشُ حياته بكلِّ سعادَة…
اعلم انك تبكي كل يوم بسبب الخذلان و ضغط الحياة ،و لكني اعلم ايضا انك ستبكي يوما و لكن من فرحة التعويض ،في متاهاتِ الحياة وهمومها واحزانها ‏ثِق أن الله لن يَترككَ تمضي وحيدًا…
و تعلم ان تحافظ على مسافة الأمان بينك وبين الناس ولا تبالغ في حبك لمخلوق فصفعة الخذلان تأتي بلا مقدمات.. لا يُوجَد أحَدْ مَضمُون فِي هذَه الدنيَّا، فحَتَّى قُلوبَنَا التِي هِي لَنَا سَتَخْذِلُنَا يَومَاً مَا وتَتَوَقفُ عِنْ النَبْض…
كي لا نسمح لِلخُذلان بِالتسرُب إلينا، علينا ألا نَرفع سقف توقعاتنا بأحد… و اعلم ان القاعدة الثابتة أن من يحبوك يبقُون إلى الأبد، لذلك جميع اولئك الذين ذهبوا لم يكونوا حقيقين.. فأنت لا تستطيع إجبار الناس علي البقاء في حياتك ،فبقائهم هو من اختيارهم ، فأسعد بمن بقي و كن شاكرا و ممتنا دائما لوجودهم… فبعض الخذلان يجعلك لا تثق في احد ما ذنب المخلصين في ذلك…
كن كالقمر الذي يستطيع ان يضيئ حتى و ان كان وحيدا ، و تذكر.. فصل واحد في الرواية لا يعني ان قصتك قد انتهت بنهاية مأساوية… فأبتسم رغم قساَوة الحياه..
و اليك انت يا قارئي العزيز….

كسرة النفس مؤلمة ، مهما كان رد فعلك لا تكسر أحد وكن ذا ذوق جميل بكلامك وتصرفاتك
ولا تحسب أن كسر الخواطر مثل كسر اليد ،اليد تجبر والخواطر تبقى عليلة.. فلا تتوقع ان اعتذارك سيشفي الم كسر الخواطر ابدا…. و تذكر قد ينكسر في النفس شيء ،لا يجبره ألف إعتذار… لا تكسر قلباً يراك أجمل ما يملك ،فأجمل ما تقدمه لأى انسان أن تجعله يطمئن…
و من الجدير بالذكر انه اذا ارتاح لك شخص و فضفض بتلك الفترات الصعبة الموحشة التي تتعلق بالخذلان و الوجع الذي تعرض له في حياته من اشخاص قريبين… تذكر انه حكي ليرتاح،و لشعوره بالامان تجاهك ، فاخرج من فمه تلك الكلمات بفضفضه و قد كان محل خروجها الاساسي قلبه ، و كأنه يوضح لك انه استثناك عن الجميع و يري فيك الامان و الثقة ، فرجاء لا تخذله، فقد نظر اليك نظرة اختلاف عن الاخرين.. فهذه تعد ثقة اذا قبلتها يجب عليك ان تحافظ عليها…
وكما قيل: (عندما تقابل أحدهم ويحكي لك عن خيبته بالناس فهو يبعث لك برسالة معناها أرجوك لا تكن منهم).⁣..

و في النهاية….
لن أنس من كان بجانبي عندما احتجته، ولن أنسَ من تخلّى عني وخذلني، ففي الحالتين هناك بصمة لن تُنس أبداً…
فقد علمتني الحياة و همست في مسامعي يوماً، وأوصتني ألا أعوّل على الآخرين، وأن لا أعقد خط آمالي على سبل السراب…
فلا أذكر قط أني خشيت من أن ينساني أحداً ما أؤمن اني إستثنائية ،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!