عاجل

خروج المحمل

خروج المحمل

تطالعنا هذه الأيام المباركة عيد الأضحي المبارك في فشهر ذو الحجة أحد الأشهر الحرم الأربعة، ومعه توافد الحجاج المسلمون من كل حدب وصوب إلي المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج الركن الخامس والأخير من أركان الإسلام الخمس، تلبية لنداء الله إلي نبيه إبراهيم عليه السلام : ” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ” .
وقبل البدء في موسم الحج تبدأ المملكة العربية السعودية في خلع كسوة الكعبة المشرفة واستبدالها بكسوة أخري جديدة، والكسوة كساء يحيط الكعبة كشكل مكعب، والأشرطة تحزم الكساء بالجدار من أعلى، على بعد أربعة أمتار ويتدلى الحزام لتثبيت القماش، والبرقع هي ستارة باب الكعبة. وحاليا تصنع كسوة الكعبة كلها من الحرير الأسود، وعليها بعض الجامات بشكل هندسي، مكتوب داخلها نفس الآيات القرآنية، التي كانت تكتب على الكسوة المصرية.
في السابق كانت كسوة الكعبة تخرج من مصر في ما عرف باسم ” خروج المحمل “، والمحمل هي كلمة عربية تعني “الهودج”. والمحمل هو الموكب الذي كان يخرج من مصر كل عام حاملًا كسوة الكعبة المشرفة الجديدة. وقد ظن البعض خطأ أن بداية خروج الكسوة من مصر كان في عهد سلاطين المماليك والبعض الآخر عينها في وقت سابق في فترة الخلافة الفاطمية علي مصر، لكن أول من أمر بالفعل بإحضار كسوة للكعبة من مصر كان ثاني الخلفاء الراشدين ” الفاروق عمر بن الخطاب ” (634 – 644م / 13 – 23هـ)، وقد أمر عمر بعد فتح مصر علي يد القائد العربي ” عمرو بن العاص ” بأن تصنع الكسوة في مصر بالقماش المصري المعروف “بالقباطي” الذي اشتهر به المصريين وبتصنيعه وخاصة في مدينة الفيوم، وقد كانت تصنع منه أفخر وأغلي أنواع الثياب. وقد أطلق عليه اسم القباطي نسبة إلي أهل مصر، حيث أن كلمة ” قبطي” كانت مرادفة لكلمة “مصري” وليست مرادفة لديانة معينة، وخاصة المسيحية كما يظن البعض.
واستمرت مصر في تصنيع كسوة الكعبة طوال العصور التاريخية اللاحقة، سواء في عهد الخلافاء الفاطميين وسلاطيين الدولة الأيوبية أو المملوكية (البحرية والبرجية)، وحتي بعد أن أصبحت مصر ولاية تابعة للخلافة العثمانية استمرت مصر في تصنيع كسوة الكعبة. وقد أطلق علي السلطان صلاح الدنيا والدين الأيوبي لقب ” خادم الحرمين الشريفين “، ليكون بذلك أول سلطان يحمل هذا اللقب.
وفي عهد السلطان المملوكي ” الصالح إسماعيل بن قلاوون ” في عام 751هـ أمر بوقف قريتين من قري القليوبية، وهما بيسوس وأبو الغيت للانفاق علي كسوة الكعبة، وكان يتحصل من هذا الوقف على 8900 درهم سنويا، وظل هذا هو النظام القائم في عهد العثمانيين.
وفي عهد السلطان سليمان القانونى أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قري أخرى لتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسع قرى وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة. فلم يكن الأمر مقتصرًا فقط علي خروج كسوة الكعبة، بل كان المحمل يضم أيضًا مبلغ كبير من الأموال لتنفق علي فقراء مكة المكرمة والمدينة المنورة، والتي أطلقوا عليها حينها اسم “المصاري” أي الأموال المصرية، وهي الكلمة المنتشرة بين أهل المملكة وبلدان الخليج والتي يقصدون بها الأموال.
دار الكسوة المشرفة:
اشتهرت منطقة “الخرنفش” في حي الجمالية في قاهرة المعز بصناعة النسيج، والتي تأسست في عام 1233هـ، وظلت تعمل حتي عام 1962م. وكان دار الكسوة المشرفة بالخرنفش هي المختصة بصناعة الكسوة، وهي حاليًا مخازن لوزارة الأوقاف.
كان المحمل يطوف الشوارع قبل الخروج إلى أرض الحجاز، وكان يصاحب طوافه العديد من الاحتفاليات كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول. وكان السلطان نفسه يحضر هذا الحدث أو يرسل من ينوب عنه، وحيث كان يجلس في شرفة فوق ” بابا زويلة” ليراقب الاحتفال بنفسه، ويودع المحمل قبل خروجه.
موكب المحمل عبارة عن جمل يحمل المحمل يمر في شوارع القاهرة وتتبعه الجمال التي تحمل المياه وأمتعة الحجاج، وكان هناك مسئول عن رحلة المحمل من مصر إلي أرض الحجاز عرف باسم ” أمير الحج “، وهو غالبًا ما يكون قائد رجال الشرطة، ما يعادل حاليًا “وزير الداخلية” للإشراف علي حماية الموكب، يصطحب معه خيرة جنده المكلفون بحراسة الموكب حتى الحجاز وخلفهم رجال الطرق الصوفية الذين يدقون الطبل ويرفعون الرايات. ويظل محفوفًا بالاحتفالات حتى يصل إلى مكة في آخر شهر ذي القعدة. والمحمل نفسه هو عبارة عن هودج فارغ يُقال أنه كان هودج السلطانة ” شجر الدر ” أما الكِسوة نفسها فكانت تُوضع في صناديق مغلقة وتحملها الجمال.
وبعد الحج، يعود المحمل بالكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالكسوة الجديدة. تُقطع الكسوة القديمة إلى قِطع وتُوزع على النبلاء والأُمراء؛ وما زالت هذه القطع موجودة في متحف كسوة الكعبة وبعضها في قبور العائلة الملكية في مصر، حيث زينوا بها أضرحتهم كنوع من التبرك. نجد في ” متحف النسيج ” في شارع المعز شريط إهداء الكسوة باسم الملك فاروق وثلاث أحزمة، تلف حول الكسوة لتثبيتها بجدار الكعبة، مكتوب على شريط الإهداء صنعت هذه الكسوة الشريفة في عهد المتوكل على الله فاروق الأول، وأهديت إلى المملكة العربية السعودية في عهد عبدالعزيز آل سعود وعليها تاريخ 1365 هـ، ويوجد بالقلعة “بمتحف الجوهرة” كسوة معروضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!