عاجلمنوعات

من كتاب المصرى الجديدالذات المنتمية والذات المغتربة

من كتاب المصرى الجديدالذات المنتمية والذات المغتربة

بقلم الكاتب / محمد نبيل محمد

يقع المواطن فريسة هؤلاء المدعون والمتشدقون بأحاديث زائفة شفاهةً ومشاهدةً من خلال ما اتفق على تسميته (برامج التوك شو) بالفضائيات أو بالإذاعات ومن خلال الصالونات الدعائية الفجة والمؤجرة والمدفوع لضيوفها – مسبقاً – أومن خلال مقالات تكذب وتضلل أكثر مما تتجمل, والأحاديث عن الوطنية والإنتماء والولاء والتمسك بالوطن بما ينطبق عليهم (يقولون ما لا يفعلون) ويتمادون فى توجيه اللعان والسباب لهؤلاء المجنسين بغير الجنسية المصرية, حتى تكاد تصدق من براعة التمثيل وإتقان الآداء مع تنوع مدارس التمثيل ما بين المسرحى الشكسبيرى والتليفزيونى الدرامى والسينمائى ذا الكاميرات من كل الجهات والإذاعى ذا الآداء الصوتى التأثيرى, فى النهاية الهدف هو المزايدة بالوطنية على العموم والغالبية من الجمهور, ويلحق بالركب البعض من الفنانين الممثلين الحقيقين حتى أن منهم من يؤدى أدوارا شديدة الوطنية ونتفاجىء أنه أرسل زوجته لتضع مولودها الثالث أو الرابع بإحدى الولايات المتحدة رغم أنه هو من لعن علنا – تمثيلاً- جواز السفر لتلك البلدان , لكن كان ذلك تمثيلاً وليس حقيقة, وغيره من المغنيين الحقيقين ممن تتناقل وسائل الاعلام مباركات زملاءه بحصوله على جنسية دولة قزمية لا تشكل على الخريطة الجغرافية للعالم سوى (نقطة!), وأخرى تخرج على جمهورها الخليجى تلعن فى نيل مصر ولا نعرف سببا منطقياً لهذا السفه!, وغيرهم من الاعلاميين ممن يتباهون بإزدواج جنسايتهم فيما بينهم, وأن أحدهم حاصل على الجنسية الإيطالية والثانية نالت الإنجليزية وهى الأصعب طبعا فى نيلها ,وآحرون من بسطائهم (!) من حصلوا على الجنسية الكندية وهى الأسهل, وهكذا هو الحال بين الأثرياء من رجال وسيدات المال, وهم يملؤون الدنيا ضجيجا وصراخا عن وطنيتهم وانهم أصحاب مبادىء ودعاة قيم, ويتوهمون أن المجموع لا يعرف كذب إدعائهم وسذاجة آدائهم التمثيلى, فيسقط فورا نموذج الفنان المطرب أو الممثل والرياضى والكاتب والإعلامى, وتلقف وسائل عدة – لا نعرف انتماءاتها – الترويج لفساد النموذج, وربما – أفترض- أن ذلك الفضح والكشف لسببين : أولهما هدم النموذج, والثانى شيوع التجنس, هاتان مجرد فرضيتان نسعى معا لنفيهما –آملين – أو تأكيدهما – آسفين – وبداية يجب ان نحمد الله, لأن ما سقناه آنفاً ليس بظاهرة, إنما هم قلة – عددا – قياسا إلى الأعداد الغفيرة فى مجالاتهم المتنوعة, إنما جهة خفية تكاد تكون إفتراضية كتلك التى عانينا من مثيلاتها آبان العقد السابق, وتلك الجهة ترغب فى أمرين : الأول أن تكون تلك النماذج السلبية هى الأكثر انتشاراً, وثانيا هو أن تكون تلك الأمثلة ذات تأثير مباشر على الغالبية, ومن هنا تتضح – إن صحت الفرضيتان- أن هناك من يخطط ويسعى لتنفيذ برنامج ( فقدان الهوية الوطنية ) بعد حللة القيم الوطنية والتشكيك فى النموذج وإبداله بنماذج مسخ فى جوهرها لكنها قد يبدو عليها بعض النجاح الظاهر ليتحقق الهدف الأعظم وهو : ( إبدال الهويات المشوهة والجنسيات المختلفة محل الهوية الوطنية ) وكأننا نردد دون علم : اتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير, المهم أن الهدف هو استهداف زمرة الشباب المتلقى لهذه الهجمات المنظمة بأن لا تستمر على مصريتها, ولا ترتكن على ثقافاتها الوطنية, أو نسقها القيمى, أو جملة مبادئها الوطنية, ولأن الشباب هم ثروة الوطن الحقيقية ومستقبلها الذى نتباهى به إقليميا وعالميا, فهو المستهدف من مخطط تشويه هويته الوطنية حتى تكون أية إنتماءات أخرى هى الأقرب له من مصريته, وهنا أتذكر مخطط جورج هاردى وزير المستعمرات الفرنسية الذى أعلن مخططه فى استمرار احتلال فرنسا للمغرب العربى والشام من خلال فرض نموذج يحتذى به ويحلم بأن يكون مثله غالبية الشباب من الشعوب المحتلة مما يجعلهم على استعداد لترك عروبتهم وقوميتهم ووطنيتهم, والسعى للانتماء لفرنسا ( فرنسة الشعوب المحتلة ) من خلال وضع برامج دراسية تهجر اللغة العربية وتتغافل التاريخ القومى, وتعطى المنح للمتفوقين فى إجادة الفرنسية لتحقيق الحلم واستكمال التعليم بجامعات فرنسا, وإغداق النعم على رجال المال المنتفعين بوجود الاحتلال لتبقى مصالحهم مرهونة بالوجود الفرنسى, والتشجيع بالهبات والمنح لأوائل المغتربين بين بنى وطنهم حتى يكون حالهم وانتماءهم الجديدين حلما لغيرهم من البسطاء, اللذين ما ان يقعوا فى فخ الاغتراب وهجر وطنيتهم إلا ويصبحوا مسخا لا هم مغاربة أو شوام أو أفارقة ولا هم فرنسيين, وبهذا كانت خطة هاردى فى احتلال شعوب المغرب العربى والشام والافارقة.
ربما حالة الاغتراب التى تتسلل بين أى شعب كانت نتيجة طبيعية لهدم النموذج الوطنى والأسرى, وردة فعل إجتماعية تجاه نجاح – كاذب – لبعض المدّعين بالوطنية, وبسبب تأثير دعائى متاح ومكرر ومنتشر ومكثف بين الشباب تحديداً للنموذج الغربى, وأيضا بسبب سلبية مواجهة قادة الرأى والثلة المثقفة المنوطة بواجبها طبقا لنظرية (المثقف العضوى) تجاه آلة الأكاذيب وماكينات الإدعاءات المضللة ومؤسسات الإعلام العابر للقارات.
إنما من المهم البدء بالإصطفاف للمواجهة حتى لا نكون مفعول به أمام هجمات الإغتراب الممنهجة التى تستهدف عزل الشباب عن واقعهم وقضايا وطنهم .
ونستكمل فى القادم ان شاء الله عن معارك (الاغتراب) ونتحدث عن الذات المنتمية للأرض والناس والذات المغتربة عن أصلها, ولنبنى أركانا جديدة فى المصرى الجديد بعد اكتشافه لذاته وادراكه لامكاناته فى التغيير, وعلى الانسان ان يعيد تقيم ذاته ليرسم بيده ملامحه ليست الشكلية قط وانما الباطنة أيضا, ويعود كما كان اجداده الأصل واصحاب الفعل وليس الشبه والمفعول به!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!