Uncategorized

الزواج والمظاهر الفارغة

الزواج والمظاهر الفارغة

بقلم د/مصطفى النجار

الرجل والمرأة عنصران متكاملان ، عنصران يفقد كلاهما الكثير بدون الآخر ، ويضيف الزواج لهما ما لا يضيفه شئ آخر ، فالزواج سكن عاطفى ونفسى وجسدى للرجل والمرأة على حد سواء ، وما وجدت أروع ولا أصدق فى التعبير عن حقيقة الرجل والمرأة وطبيعة العلاقة الزوجية من القرآن الكريم ، ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” (الروم – 21)
تأمل رومانسية التعبير ودقته، إذا جاز أن نستخدم هذا التعبير “خلق لكم من أنفسكم أزواجا” فالزوجان عنصران متذاوبان فى نفس واحدة ، فالزوجة قطعة من زوجها ، قطعة من نفسه وقلبه ، هكذا خلقهم الخالق سبحانه.

وعندما تذوب الزوجة فى نفس زوجها ويذوب فيها ، تتلاشى الحواجز ويصبح أداء الواجبات على الوجه الأكمل مقدما على الحقوق، والتى يصير التسامح فيها لون من التعبير عن الحب والود ، فيدور الزوجان فى سماء الحب دوران الشمس والقمر، يدوران فى فلك رسمه الخالق سبحانه لكل منهما ، فلا صدام ولا اصطدام ، بل تناغم وتكامل وانسجام ، لتصبح معركة الحقوق التى افتعلتها الثقافة الغربية بين الرجل والمرأة لتدمير الأسرة، أحد ملامح التخلف وسوء الفهم لهما، ولطبيعة العلاقة بينهما.

إن التكامل صلب العلاقة بين الزوجين ، والنظر لهما على أنهما متنافسين لون من العمى الذى انتقل إلينا من ثقافات لا تعرف للعقل ولا للوحى سبيلا.

ويال جمال وروعة تعبير القرآن عن هذا التكامل البديع “لتسكنوا إليها” فالزوجة سكن يأوى الزوج إليه ، لتذوب آلامه ومتاعبة فى السعى على الرزق بحرارة الود والمحبة ، كما يذوب جليد الشتاء بأنوار الشمس المشرقة.

لقد تزلزلت نفس النبى عندما جاءه جبريل فى الغار أول مرة ، لم يخبره من هو؟ وماذا يريد؟ فما أن انصرف عنه حتى هرع النبى لسكنه الودود الحنون أمنا خديجة رضى الله عنها ، يبثها مخاوفه يقول ” لقد خشيت على نفسى” فتضمه لصدرها ماسحة على ظهره تقول ” كلا، أبشر، فوالله لن يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق”.

أى حب وأى حنان هذا، لقد ذابت السيدة خديجة فى سيدنا صلى الله عليه وذاب فيها، حتى أدركت صفات الكمال والجمال فى الذات المحمدية، إدراكا صادقا يستند لحقائق تلمسها فى سلوك زوجها، وما أن هدأ النبى ونام، حتى أخذها القلق لورقة بن نوفل تتبين منه حقيقة ما حدث لزوجها، يا الله، رضى الله عنك سيدتى، يا من بشرك الخالق ببيت فى الجنة لاصخب فيه ولا نصب.

الزواج لون من التذاوب والود والمحبة، نفس واحدة فى جسدين، يبدعا معا لحن الحياة، أسرة تثمر أطفالا نجباء يعمروا الأرض بالإيمان والعمل، ذلك هو التصور الربانى، والهدف الأصيل للزواج.

لكن الزواج بهذه الحقيقة الراقية وتلك الأهداف الربانية النبيلة قد تعرقلة بعض المظاهر الفارغة ، والتى لا يجب أن تقف حائلا دونه، مظاهر هى نتاج لوثة مادية غربية أصابت مجتمعاتنا، لوثة مادية أنبتت فى النفوس حب التباهى والطمع والنظر للأقران، أمراض تحت سطوتها على النفوس والعقول عزف الشباب عن الزواج، فالكثير ممن هم فى سن الزواج وكذلك من أولياء الأمور من يتصور استحالة الزواج فى شقة متواضعة فى بيت العائلة حتى تسمح الظروف بأفضل من ذلك، ومن هؤلاء من يرى استحالة الزواج فى شقة إيجار، ومن هؤلاء من يقحم نفسه فى ديون وأزمات ويؤخر الزواج بسبب تجهيزات غالبيتها ليست أساسية لإتمام الزواج، وذلك رغبة فى مظاهر فارغة من التباهى، أو النظر لتجهيزات الأقران، أواعتبار ضبط التجهيزات بالإمكانات المادية انتقاص من القدر، وهو والله عين العقل وكمال الرشد.

فتجد من يستدين ليجهز ابنته، بغرفة أطفال وغسالتين، وأعداد مهولة من المفارش والبطاطين، وكميات هائلة من الأطباق والأكواب وغير ذلك، وبعد الزفاف يغرق هذا الوالد المسكين فى الديون، وقد يسجن بها، لتنقلب الفرحة بالزواج مأتما.

ونجد كذلك شابا يستدين أو يؤجل الزفاف لتدبير نفقات لمظاهر فارغة، مظاهر سولت له أن يدفع فى ليلة زفافه فقط ما يوازى دخلة ثلاث سنوات من الكوافير وإيجار القاعات ذات الأسعار الفلكية، لما كل هذا.

إن الزواج بصفته لون من التذاوب والود والمحبة بين زوجين هما نفس واحدة فى جسدين، التقيا ليبدعا معا لحن الحياة، يتحقق بأيسر من هذا بكثير.

إلى الشباب وأولياء الأمور، تخففوا يرحمكم الله، وتجهزوا كل فى حدود إمكاناته المتاحة، فليبسط فى التجهيزات من بسط الله له، ولا داعى للتباهى تجنبا لتسخيط الآخرين ومراعاة لمشاعرهم، أو وقاية من الحاسدين، ومن قدر عليه فليقتصد، ” لايكلف الله نفسا إلا ما آتاها، سيجعل الله بعد عسر يسرا” صدق الله العظيم.
تحياتى وتقديرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!