عاجل

عبير مدين تكتب شموع الاشتياق

شموع الاشتياق

بقلم عبير مدين

وبعد أن تزوجت ابنتها الوحيدة فريدة ظلت تدور في البيت كأنما تبحث عن شئ هي نفسها تجهله حتى قادتها قدماها الي الشرفة وقعت عينها على الزجاج العاكس وكأنها اول مره تلحظ وجوده نظرت لجسدها وظهرت علامات الصدمة على وجهها تراجعت للخلف غير مصدقة وهي تشير بإصبعها وتقول بالتلعثم من هذه ؟! مستحيل اكون أنا ! أسرعت إلى حجرة النوم وقفت أمام المرآة نعم هذه السيدة تشبه تلك التي رأت صورتها على زجاج الشرفة لكن لست أنا ! كل شيء يكذب في هذا البيت تحسست رأسها ما هذه العقدة من ربط راسي بهذا المنديل ؟! جذبته ورمته بعيدا مدت أطراف أصابعها لتتخلل شعرها لكن لا سبيل لتدخل ! تساءلت متى

آخر مرة مشطت شعري ؟! نعم هي حريصة على الاستحمام يوميا عقب إنتهاء اعمال المنزل لكن تخرج على عجالة وهي تنوى العودة لتمشيط شعرها عقب الاطمئنان على حلة الأرز خشية أن تحترق فيتغير طعمه ثم تفتح الثلاجة لتطمئن على طبق الحلو فريدة تحب الحلو بين الغداء والعشاء تشبه والدها في الطبع لكن معتز تغير طبعه هذا منذ خمس سنوات فأصبح يكتفي بقليل من الحلو قبل أن يخرج وأصبح لا يتناول وجبة العشاء بعد أن أصبح دائم الشكوى من معدته فكانت تعلل له ذلك بأن السن له حكم وهي تناوله أقراص المهضم مع كوب الماء فيهز معتز رأسه موافقا ثم يتمدد على السرير ويروح في ثبات عميق للصباح.

كل شيء طبيعي منذ سنوات ما الذي جعلها اليوم كمن عادت إليه الذاكرة بعد أن هجرته سنوات؟! ربما هو الفراغ الذي دهمها فجأة ؟! كانت شهيرة فتاة مدللة أحبت ابن خالتها منذ نعومة أظافرها هو أيضا كان يبادلها الحب يكبرها ببضعة اشهر ترافقا في مراحل التعليم المختلفة وبعد أن تخرجا من الجامعة ألتحق معتز بالجيش لقضاء فترة التجنيد لم يختلف الحال مع شهيرة فقد كان عليها أن تتعلم أعمال المنزل التي تجهلها تماما نعم كانت أمها تعاونها لكن الموضوع شاق أكثر مما تصورت بعد إنتهاء فترة التجنيد انشغل الحبيبان بتأسيس عش الزوجية وانشغل معتز أكثر كمتدرب بمكتب محاماه حتى يستطيع أن يكون له مكتب خاص

بعد الزواج مباشره زفت شهيرة البشرى لمعتز فقد أصبحت حامل احتضنها معتز وهو يكاد يطير فرحا وقال اريد بنت في مثل جمالك كانت شهيرة جميله فعلا وكانت تعرف انها جميله بيضاء ملفوفة القوام ملامحها متناسقة ذات عيون عسليه ساحرة مع شعرها الأسود كانت تشبه الاسبانيات ، لم تطول تلك اللحظات السعيدة كثيرا فقد أصابة شهيرة الآم الحمل و اصبحت دائمة الشكوى تجد السلوى في أحضان زوجها الذي كان يحاول بكل جهده أن يواسيها، وكانت امها وخالتها بجوارها لحظه بلحظه حتى وضعت ابنتها فريدة التي جاءت تشبه امها كثيرا كما تمنى معتز وكان قدومها قدوم السعد على أبيها الذي استطاع أن يستأجر مكتب لكن في مدينة أخرى واستأجر شقة انتقلت إليها أسرته الصغيرة، انشغل معتز في بناء مستقبله وتوفير مستوى معيشي جيد لأسرته وانشغلت شهيرة في تربية فريدة و في إدارة المنزل كانت مسؤولية شاقة على تلك المدللة تنتظر قدوم زوجها في الظهيرة لتحكي له عن معاناتها مع كل شيء ابنتها البائعين في الأسواق محصل الكهرباء والماء وكيف ازعج صوت جرس الباب فريدة و كيف قامت من نومها مفزوعة وهي تبكي وظلت تبكي كم دقيقة وثانية، كل هذا ومعتز ينظر إليها مبتسما وهو يأكل لا يقاطعها حتى

أصبح الأمر له مثل نشرة الأخبار بعد الغداء ينام بعض الوقت ثم يستيقظ يتناول طبق الحلو ثم يذهب إلى المكتب وعندما يعود في المساء تكون شهيرة في انتظاره وعلامات الإجهاد على وجهها تعد العشاء وهي شبه نائمة بعد العشاء تستسلم للنوم وعلامات الرضا على وجهها فقد نجحت في اجتياز اليوم!
هكذا السنون مرت حتى دخلت فريدة المدرسة وأصبح إلحاح والدة شهيرة وخالتها على الزوجين بضرورة إنجاب طفل آخر يصبح ونس لفريدة لكن معتز رفض الفكرة بشدة وقرر اغلاق باب النقاش في هذا الموضوع دون إبداء أي أسباب
عشرون عاما مرت نجح الجميع فيها نجح معتز أن يكون محام شهير ونجحت فريدة بتفوق حتى تخرجت من الجامعه ونجحت شهيرة أن تكون ربة منزل.
في هذا اليوم من شهر أغسطس الجو شديد الحرارة كان معتز يعاني من ألم شديد بمعدته ربما كان نتيجة المياه المثلجة التي شربها عقب عودته من المحكمة لم يستطع تناول الغذاء ولا النوم رغم الأقراص المسكنة التي تناولها ذهب إلى المكتب لكن الألم كان يشتد اقترحت عليه أسماء سكرتيرة المكتب الذهاب الى الدكتورة مرام طبيبة الأمراض الباطنة التي تستأجر الطابق العلوي أمام معاناته مع المغص صعد فعلا إلى عيادة الدكتورة مرام التي استقبلته بود بعد أن عرفت أنه جارها ورفضت أن تأخذ قيمة الكشف.

كانت الدكتورة مرام شابة جميلة لا يبدو عليها انها متزوجة فلا شئ كذلك في يدها يدل على ذلك كما أنها لا تتحدث عن حياتها الخاصة حتى مع مساعدتها في العيادة وطوال فترة وجودها هاتفها مغلق وتركيزها مع المرضى، طلبت من معتز إجراء بعض التحاليل ولن يذهب بعيدا فمعمل التحاليل في الشقة المقابلة للعيادة
دخل معتز المعمل وهو قلق ثم فجأة تسمرت قدمه وفتح فمه في ذهول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!