عاجل

الراحل محمود العطار .. فنان غابت ريشته وبقيت عبقريته

الراحل محمود العطار .. فنان غابت ريشته وبقيت عبقريته

تقرير/ عمرو دسوقى هريدى

فى الحقيقة , هناك اشخاص يرحلون بأجسادهم ويبقى تأثيرهم وتبقى بصماتهم في الحياة نبراساً لمن خلفهم، يرحلون وتبقى محبتهم ومكانتهم في القلوب بفضل أخلاقهم الطيبة وشخصياتهم المتميزة وبسبب حبهم لعملهم وإتقانهم له وعطائهم لمجتمعهم، وتظل ذكراهم الطيبة عالقة بالقلوب وسيرتهم العطرة يتحاكى عنها الناس على مر الزمان .
تزخر محافظة القليوبية بمثل هذه الشخصيات السالفة الذكر فى شتى المجالات سواء في المجال الدينى او السياسى او العلمى أوالثقافى أو الفنى أوالطبى … وعرفانا منا بحق هؤلاء في أن يفخر بهم الصغير والكبير فإنا نقدم تقرير عن كل علم منهم، حتى يحتذي الجيل القادم حذوهم , من بين هذه الشحصيات المرموقة والمبدعة شخصية الفنان التشكيلى الراحل محمود محمد صلاح الدين العطار ابن رملة بنها .

يعتبر الفنان محمود العطار من أهم الرواد في الفن التشكيلي المصري بمحافظة القليوبية وهو عبقري في رسمه للشخصيات ، مدهش في تفننه في النحت، يشدك، يجذبك، فتخضع لسطوته، تميز منذ البداية في اختياراته الفنية، وبرع في تجسيدها، عبقري، نجم وصاحب اليد السحرية، يستحق عن جدارة جميع الألقاب التي أطلقت عليه كرائد وعميد الفن التشكيلى ويمكن تصنيفه بأنه ينتمي إلى الفنانين المصريين المبدعين من الجيل الثانى الذي وضع اللبنات الأولى في مفهوم الفن التشكيلي المصري . كاهن فى محراب الفن , مايكل أنجلو الشرق ,مؤسس ورائد فن النحت والفن التشكيلى بالقليوبية مسقط رأسه حيث

تتسم منحوتاته بصفة التجريد وتجمع بين الثقافة العربية والتراث الفرعونى وتتميز أعماله بالعبقرية لأنها كلها تجسد أفكار واقعية تعبر عن الواقع .
ولد الفنان الراحل محمود العطار في قرية الرملة مركز بنها محافظة القليوبية يوم الجمعة 12 يناير عام 1951 م الموافق 4 ربيع الآخر 1370 هـ . نشأ العطار في أسرة متدينة فحفظ القرآن الكريم فى سن مبكر وتربى على القيم والسلوك الحميدة التى نفتقدها اليوم , ولما لا !!! فإن أسرته ينتمى نسلها للعالم الفقيه شمس الدين بن شهاب الدين الرملي المنوفى المصري الأنصاري المشهور بالشافعي الصغير من علماء القرن العاشر الهجري ، ولقبه البعض بمجدد القرن العاشر، ووالده هو شهاب الدين الرملي الذي اشتغل بالفقه والتفسير

والنحو.؛ والمتأمل فى اسم الفنان العطار نجد أن اسمه هو محمود محمد صلاح محمد أحمد على محمد العطار ابن فاطمة بنت أحمد ابن محمد شمس الدين أحمد شهاب الدين الرملى , وفاطمة كانت أبنة عم زوجها وهذا مسجل على بلاطة بمقبرة آل العطار برملة بنها بالقليوبية .
بدأ العطار مسيرته الإبداعية منذ نعومة أظافره، حيث دخل عالم الألوان من أوسع أبوابه، يرسم تحفه ويجسدها في لوحات فنية مميزة غاية في الجمال والإنسجام، إحساسه العميق والمرهف بمن حوله جعله قريباً منهم، يقاسمهم أفراحهم وأحزانهم ومشاكلهم، لذلك نجد تنوعاً في أعماله مما أغنى مسيرته الفنية، رسم العديد من اللوحات التى تجسد مختلف الفنون، وجد عنده الرغبة فى رسم الصور ونحت التماثيل.

فكانت البداية في رحلة مدرسية وقف خلالها التلميذ محمود العطار أمام أحد تماثيل إخناتون بالمتحف المصري ، لم يمر الموقف بالنسبة له كباقي زملائه ، فبعد ذهابه للمدرسة ، أخذ قطعة من الصلصال ليصنع منها ‘‘بورتريه’’ للتمثال الذي توقف عنده لم يكن يعرف العطار ، أن هذا المشهد سيتحكم في مسار حياته ليكون رساما ونحاتا وعن تأثير هذا الفن عليه يقول شقيقة الأستاذ محمد العطار: “كان أخى رحمه الله الفنان محمود العطار شغوفا ومولعا بفن الرسم والنحت ومولعا أيضا بالتاريخ والقراءة والثقافة العامة و حينما كنت أجلس معه أجد فيه موسوعة فنيه ثقافية علمية ودينية مبهرة وكنت أتعجب من أعماله الفنية التى يرسمها وينحتها بحرفية فكل عمل من أعماله يحكى قصة وفكرا ويمثل رمزا يرمز اليه , كان رحمه الله مبدعا حقا ويمتلك موهبة خارقة حيث يستطيع أن يعبر عن رؤيته للطبيعه والحياة ويجسدها فى شكل ملموس ومرئى ليمتع بها الاخرين ” . واستطرد الأستاذ محمد العطارالحدث عن اخيه قائلا : ” بدأ أخى محمود العطار يمارس الرسم والنقش على الخشب بأدوات البيئة البسيطة، من حطب وجبس والجير الأبيض، فهو فنان مميز، يتنقل بين الألوان والكلمات لينسج لنا لوحات مثيرة تصف سمات البيئة بكل ما فيها من قيم ثقافية حضارية وإنسانية” .

فيما ذكرالأستاذ “حسن العطار” الشقيق الأصغر للفنان الراحل “محمود العطار ” قائلا : ” إن أخي كان محبا للقراءة وكان مرسمه ومكتبته الخاصة بالطابق العلوى بالبيت الذى نعيش فيه , كان يحب الخلوة مع نفسة وفى مرسمه والأعتكاف بمكتبته التى تحتوى على العديد من الكتب فى جميع المجالات حتى يستطيع أن يبدع ويخرج عملا ابداعيا لامثيل له , علاوة على ذلك كان متدينا ويحفظ كتاب الله عن ظهر قلب وله أثر كبير فى فنونه وكان عطوفا ذو إحساس مرهف ولذلك أعمالة كلها مؤثرة وتحتاج إلى التأمل .”
تخرج الفنان الراحل محمود العطار في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم النحت عام 1974 ، والتحق بمرسم الفنون الجميلة بقصر الثقافة بمحافظة القليوبية فرع بنها وكان له معرض خاص باسم ” معرض الفنان محمود العطار ”
تتميز أعمال الراحل الفنان التشكيلى محمود العطار بالتركيز على البيئة المحلية والتراث المصري القديم وله قدرة على التعبير عن الواقع الاجتماعي ، له مقتينات في متحف الفن الحديث بالقاهرة ، ودار الأوبرا الحديثة وفى المملكة العربية السعودية وأعمال ميدانية قى معسكرات القوات المسلحة .

اشترك الراحل الفنان التشكيلى محمود العطار فى عدة معارض دولية منها معرض صوفبا ببلغاريا والمعرض الأولمبى بمدينة سيدنى باستراليا ,
يجمع العطار بين فن الرسم وفن النحت فيذكرنجله المهندس / عمرو العطار عن والده قائلا : ” حين كان والدى يتعب من النحت، ويفرغ طاقته، يهرع إلى الرسم ، لالتقاط الأنفاس، ويشحن طاقته عاطفيا وفنيا ، ومن ثم التهيؤ للعودة بقوة إلى النحت.. وكان يقول دائما : الرسم فن سريع وبسيط ، ولا يحتاج إلى وقت طويل كالنحت ، الكتلة في الرسم صورية في علاقتها بالفراغ ، أما في النحت فالمسألة تختلف ، لذلك أنا أتعامل مع الرسم على أنه معمل أبحاث وأفكار للنحت “

كان فن العطار دائما يخاطب وجدان المتذوق ويثير مخيلته ، وقد اعتنق العطار فكرة الفن الذى يمثل قوة تتجاوز العابر في المحيط الزمنى ، ويسمو نحو الأبدية ، ولذلك ركز في فنه على الأساسى والجوهرى ، مع الاحتفاظ بالمميزات الصرحية.
تبدو قدرة الفنان واضحة في تعبيره عن طريق الإحجام عن كل ما تمتلىء به نفسه من أفعال والعطار يعطى أعظم برهان على صدق موهبته و يعترف بأنه قد عانى سحر النحت المصرى القديم، ولكنه لم يستمر في الخضوع لتأثيره لقد بقى طويلاً على علاقته مع الحياة الشعبية لأبناء وادى النيل وهذا هو الذى سمح له بأن يكون انعكاسا ينقل ما يدور حوله ،وتعبر أعمال حنين عن نفسها في طبيعة حدسه الباكر بالذات والرسالة التى حملها معه ، تدفعانه الى اتخاذ موقف تواضع وثقة تجاه مشروعه الإبداعى..

كان العطار فنانا سابقا لعصره مبدعا , فد خوله لأي مجال يحوله من عالم المعقول إلى اللامعقول ، ومهما كانت أدواته وخاماته بسيطة فيمكنه أن يجعل منها فنا عظيما هكذا كان العطار.
إعتاد العطار في السنوات الأخيرة من حياته أن يعتكف فى مكتبته الخاصه ومرسمه الخاص ببيته وفى الطابق العلوى حتى وفاته عام 2009م عن عمر يناهز 58 عاما , وهكذا رحل العطار عن عالمنا ولكن لايزال حيا بأعماله وسيرته العطره . إن

غابت ريشة الفنان محمود العطار لكن اسمه لن يغيب أبدًا، فأعماله التى تركها ستظل ساطعة، سوف تبقى رسومه وأعماله أمامنا، ريشته غابت ولكن عبقريته ستظل من خلال إرث كبير تركه لنا وللأجيال القادمة علامة من علامات الفن التشكيلى المصرى والعربى ولذلك تكريم هذه الشخصيات ليست بالشهادات التقدير والنياشين ولكن لتخليد ذكراهم يجب أن نختار حى أو شارع أو ميدان بمسقط رأسه و نطلق عليه اسمه . رحم الله الراحل الفنان التشكيلى محمود العطار واسكنه الله فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!